خاص رصد نيوز: 'يا أّبيَض يا أسوَد، لكِن مِشّ رَمَادي'
مقالات وتحقيقات |
الأحد ٩ تموز ٢٠٢٥
.jpeg)
"يا ابيض يا اسود لكن مش رمادي"، مقطع من أغنية للفنانة التونسية لطيفة اعتدنا الاستماع له والدندنة به على مدى سنوات ولا زال بعضنا يردده حتى أيامنا هذه في لبنان والخارج.
لكن منذ ان تحولت بضع هذه الكلمات التي كانت تُطرب آذان الناس إلى مادة مُزعجةٍ ومقلقة وضعتنا على عتبة الانتظار، دفعت بنا الى كتابة بعض هذه السطور التي تتضمن عدة اسئلة من شأنها ان توضح مدى هذا القلق، لربما تدفع البعض نحو ايجاد أو استنباط الحلول.
اللبنانيون رغم كل ما ألمَّ بهم ينتظرون جواباً واحداً "إما أبيضاً او أسودا"، فقد اختصروا مقطع تلك الاغنية بكلمتين فقط وانتفضوا بوجه "الرمادي" ذلك اللون الذي تلوّح لنا به احدى المؤسسات المالية الكبرى في العالم منذ فترة.
"يا ابيض يا اسود لكن مش رمادي" اصبحت مطلب كل لبناني في هذه الايام، بعد ان تخطت مجرد ان تكون مقطعا لاحدى الاغنيات واصبحت تشكل ريبة وحذر عند كل من يسمع تلك الكلمة الاخيرة من ذلك المقطع "رمادي" مضافاً عليها تصنيفاً دفع بالكثير من ابناء بلدنا الى الهجرة وما تلاها من الحاق للأذى بمؤسساتنا المالية والتجارية والاستشفائية نتيجة فقدان الامل والخوف من المجهول.
أَيُعقَل ان يصل ذاك اللون الرمادي الى رغيف خبزنا الذي يُعتبر قوت الفقير اليومي؟، نعم حتى الخبز في لبنان اصبح مصيره رمادياً. وكلنا نعلم ماذا ينتظرنا في ايلول المقبل في حال تم رفع الدعم النهائي عن الطحين!
لقد بات اللبناني بالاضافة الى المغترب والصديق والقريب والبعيد أمام هذا "البُعبُع الرمادي" بلا حول ولا قوة، ومن كانت روحه طويلة واستطاع الصمود كل هذه المدة اصبح اليوم بحاجة ماسة وقبل الغد الى سماع او لمس شيئ قد يخرجه من هذا المخاض العسير ويحفزه على البقاء والاستمرار. الكل خائف وحذر وقيد الانتظار، وأينما تذهب اليوم، تطرح سؤالا حول الوضع المالي او الاقتصادي او السياسي أو الاجتماعي في البلد، يأتيك الجواب فوراً الرؤية "رمادية" وليست واضحة.
فإذا أردنا تعريف اللون الرمادي بسطرين، نجد انه يرمز للاكتئاب والحزن والوحدة، و عند الهندوس للرمادي أهمية وقدسية. لكن في العالم أجمع هذا اللون يدل على عدم الوضوح، فهو ليس أبيضا ولا أسودا.
في لبنان، نعيش هذه الحالة الرمادية منذ حوالي الخمس سنوات ولا زلنا حتى يومنا هذا، فمنذ بدء الأزمات التي توالت علينا والتي لا داعٍ لذكرها لأن الكل يعرفها وقد عاشها أو تعايش معها إما ارادياً أو قسراً والتي اثقلت كاهلنا بسبب بعض السياسات الخاطئة التي اعتمدها بعض السياسيين المعروفين والذين لا داع لأن نسميهم لانهم معلومون.
فبعد أن كنا نتغنى بلبنان "سويسرا الشرق"، ها هم اليوم يهددون ويلوحون لنا من الخارج بتسميات غريبة عجيبة وجُملاً وتصنيفات "رمادية" وغيرها من العبارات السلبية.
فإذا توقفنا قليلاً عند هذه العبارة، وأجرينا استطلاعاً للرأي نجد ان معظم اللبنانيين يتخوفون من مدى تأثير هكذا تصنيفات على حياتهم اليومية وأعمالهم التجارية والمالية والاقتصادية وسط امتعاض كبير وصل بالبعض الى حد اليأس والهجرة.
فكم من الشركات والمصالح الكبرى والمحال التجارية الشهيرة اصبح اللون الرمادي طاغياً عليها بفعل استفحال الازمات إن على الصعيدين المادي والبشري أو على الصعيد الوظيفي والوجودي. كل هذه الشوائب والمعاناة أرخت بظلالها على هذه الشركات والمصالح بسبب الموقف الرمادي الدولي والداخلي الذي يحشر الجميع في زاوية الانتظار، ولكن الى متى؟ .
صحيح ان الدولة اللبنانية تحاول بكافة أجهزتها ان تجهد وتسارع في ايجاد الحلول للخروج من الساحة الرمادية هذه، كما ان حركة حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري لافتة في هذا الاتجاه منذ استلامه دفة المصرف المركزي، فالرجل يجهد كثيراً لكي يخرج لبنان من صبغته الرمادية امام العالم، ويحاول استعادة اللون الابيض مجدداً الى البلد، فقد اتخذ عدة إجراءات مالية ساعدت في ثبات العملة والكف من تدهورها ويصول ويجول على دول بهدف حل هذه الاشكالية، لكن كل هذا لا يكفي. نريد حلاً شاملاً يجمع السياسة والاقتصاد والامن معاً.
معلوم للجميع في الداخل والخارج بأننا نحب الحياة ، فقد سبق ومرّت علينا الكثير من الحروب والويلات والازمات والخضات واستطعنا بوحدتنا وصمودنا ان نتخطاها. صحيح ان الاثمان كانت باهظة الا انها كانت فدية عن لبنان الصغير الحجم وكبير القلب الذي يجمع كل ابناءه على هذه ال ١٠٤٥٢كلم٢.
البلد اليوم اصبح مرهقاً بعد كل ما تمّ رسمه والتخطيط له ولشعبه ولأبنائه، لكننا لا زلنا شعبا يتمسك بذلك الأمل المنتظر.
لذلك، نتوجه إلى الرسّام الخارجي ومساعده الداخلي اللذان يملكان في جعبتهما الكثير من الاقلام الرمادية اللون:
-ألا يستحق هذا الشعب العظيم أن يرتاح، ألم يحن الوقت بعد؟
-ألا يجب ان نعيد لبنان إلى مجده السابق؟.
-ألا يحق لهذا الشعب المناضل والمقاوم أن يعود إلى زمن الراحة والبحبوحة؟.
-أيُعقل ان نصل إلى زمن أصبحنا ننتظر فيه فُتات غيرنا من الدول ونحن أكرم وأبهى وقد نكون من أغنى شعوب الأرض؟.
-هل يجوز أن نبقى محرومون من الكهرباء والماء ونحن بلد تملأه المياه والخيرات وقادر على إنارة كل زاوية من زوايا بيوتنا؟.
نتمنى من ذلك الرسّام الخارجي أن يعيد النظر في اختيار لونه الرمادي لبلدنا لبنان وينظر جيدا بعين الحقيقة لأن ما تملكه ارضنا من خيرات وثروات تجعله ناصع البياض امام أنظار كل بلدان العالم، لذا اترك لنا مساحة بيضاء كي نثبت للعالم أجمع مدى عدم احتياجنا لأحد، فقط المطلوب ازالة تلك النظرة الرمادية عن طريقنا، وسترون حينها!
و إلى أصحاب الشأن والمعنيين في الداخل والخارج نقول: "اتركوا هذا البلد يستعيد نموه وعافيته لكي يعيد بناء اقتصاده مجدداً بمساعدة أبنائه وأصدقائه الذين لا يتركوه ولم ولن يتخلوا عنه يوماً!.
رجاءً، أزيلوا هذه الغيمة المصطنعة عن لبنان فقد طال أمدها!
التاجر والمغترب والمواطن العادي ورجل الاعمال ، جميعهم يريدون لبنان ومعلّقون به لكنهم ينتظرون اجاباتكم!، حتى الصديق الخارجي يريد استيضاح الصورة ليعود الينا مجدداً، فبالله عليكم دعوا تلك الغيوم المصطنعة تنسحب!.
كلنا نأمل اجابة ناصعة البياض لاننا نرفض ذلك اللون الرمادي الباهت غير الواضح.
نريد العيش يداً بيد والى جانب بعضنا البعض كلبنانيين متنوعين وليس كمتلوّنين. نريد ان نعيد لبنان إلى ذلك الزمن الجميل المليء بالنهضه والعمران والفرح والبحبوحة. اللبناني محب للحياة ويريد العيش بطمأنينة.
كفانا صفات والوان لا تليق بنا بفعل خلافات دول وأشخاص هم أنفسهم لا يريدون للبنان ان يعود الى سابق عهده.
لهؤلاء نكرر الطلب: اتركوا لنا الساحة لكي نستطيع حل اوضاعنا المتأزمة في لبنان عبر محاربة الفساد، والسير بخطة التعافي الاقتصادي الجدية التي ستسمح بهيكلة قطاعنا المالي، لكي يعود الاستقرار السياسي والمالي والاقتصادي الى بلدنا والذي بدوره سيعيد الثقة باقتصادنا الوطني ، الامر الذي سيدفع بعجلات قطارنا المتوقف منذ أكثر من ٥ سنوات الى الانطلاق.