هل تشعل أزمة الرغيف فتيل ثورة؟
مقالات وتحقيقات |
الأحد ٩ تموز ٢٠٢٥

غطّت أزمة الخبز على جلسة المجلس النيابي، وسيطرت على المشهد العام طوابير الذلِّ التي امتدت على مسافات أمام الأفران، وسط بروز جدال طويل حول رفع الدّعم من عدمه. وما زاد الطين بِلّة قرار وزير الاقتصاد بوقف الطحين عن الأفران بانتظار الحلِّ النّاجعِ، ما يعني أن أزمة الخبز مستمرة إلى أجل غير مسمى. أزمة من شأنها أن تفجر الشارع لاسيما وأنها تمس لقمة الفقير. إلا أن التجارب السابقة تؤكد أن لا ثورة على الطغيان، رغم أن هناك شريحة واسعة تستعد لإحياء مراسم عاشوراء، ثورة ضد الفساد والطغيان.
لعل اليافطة العاشورائية التي رفعت في أحد شوارع النبطية «عاشوراء ثورة متجددة ضد الظلم والفساد» أصدق إنباءً عن واقع البلد المتشظي والغارق في أزمة رغيف لا أمل بحلحلتها.
على مسافة أيام من عاشوراء «ثورة الحق على الباطل»، تنهمك الأحزاب والفاعليات الدينية في منطقة النبطية برفع الرايات السود، التي تحمل شعارات ضد الفساد والطغيان، وتحث الناس على الثورة ضد الفاسدين. شعارات، لا تعدو كونها عناوين فضفاضة هذه الأيام، فالشعب الغارق في أزمة الخبز يحتاج إلى ثورة مماثلة لعاشوراء، إلى سياسة إصلاح في الأمّة التي مزقتها التناحرات والتّجاذبات والكيديّات، غير أن الشعب يكتفي بالقشور، يركض خلف الرغيف من فرن إلى آخر، ومن دكان إلى آخر، ومن تاجر سوق سوداء إلى آخر، ما يهمه الحصول على رغيف خبز، ولا يأبه للمتلاعبين بأمنه الغذائي، الأمن الذي حضر على طاولة البحث في سراي النبطية للحدِّ من الاشكالات المتنقلة، ولضبط الوضع في أيام عاشوراء. غير أن أزمة الرغيف لم تحضر أمامه ولا حالة التوتر السائد بين الناس، تباحث القادة الأمنيون في آلية ضبط ليالي عاشوراء، ومنع الدرّاجات النارية، وتجميد رخص استخدام الأسلحة، والحدِّ من تجول اللّاجئين، وغاب عن بالهم أن في الخارج مواطنين يقفون بالسّاعات في طوابير الذلِّ بحثاً عن رغيف بات مهدداً ودخل إلى بازار التجاذبات السياسية الرسائل الثلاثيّة الأبعاد.
عادة ما تكون الأزمات رسائل مشفرة ترسلها القوى السياسية إلى بعضها، وليس مستغرباً أن يكون انقطاع الخبز إحداها والخوف من الفوضى من خلفها، بحسب المعلومات «الجائع يفعل أي شيءٍ ليؤمّن قوت يومه، يقتل، يضرب، يصرخ»، ولا تخفي المصادر أن «هناك تخوفاً من أن تنفجر طوابير الخبز فوضى في البلد، في ظلِّ حالةِ الغليانِ التي تسود الشَّعب الذي يرى خبزه يذهب للّاجئ ويحرم منه».
لم يتعلم الناس يوماً من ثورة عاشوراء، الثورة التاريخية التي خرج فيها الإمام الحسين لمحاربة الطغاة والفاسدين الذين عاثوا في المجتمع ظلماً وجوراً، بقيت تلك المدرسة على أهميتها حبراً على ورق في أجندة الناس، رغم علمهم المسبق ان ما يواجهونه بات يحتم عليهم الثورة، ولكنهم لن يفعلوا. يتخوف القادة الأمنيون كما محافظ النبطية من اشكالات تعكر صفو عاشوراء، ويضعها فقيه في خانة الأوضاع النفسية والاقتصادية، دون أن يغفل الإشارة إلى أن الوضع على ما يرام، وإن أكد مصدر أمني أن «الوضع مش ظابط»، كنتيجة حتمية لما يسود القرى من هزات وخضات في أزمة خبز تصفها المصادر بأنها الاخطر لانها تمس الفقراء في الصميم.
أحد لا ينكر النقمة الشعبية السياسية، فقدان الخبز قد يكون أول شرارات الفوضى، إن لم تتدارك الحكومة وتعالج الأزمة، حتى أصحاب الأفران أنفسهم باتوا قلقين على أمنهم، ما يعني أن أزمة الخبز التي دخلت يومها الرابع من دون حل تنبّئ بالكارثة. معظم أفران النبطية مقفلة، الخبز مفقود، الناس تبحث عنه بلا جدوى، اشكالات متعددة سجلت، وحدهم نواب المنطقة بعيدون عن المشهد، وكأن الأمر لا يعنيهم، حتى مجلس النواب كله لم يتحرك لأجل رغيف الفقراء، فيما الطوابير هي الحدث.