تجويعُ المواطن 'الموتُ البطيء في أبشع حلله'.. والمسؤولون يتلهّون بالتّفاصيل!
مقالات وتحقيقات |
السبت ٧ أذار ٢٠٢٤
رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائيّة هاني بحصلي رفع الصّوت للعمل على وقف انهيار العملة الوطنيّة الذي يُطيح بكلّ قدرات اللبنانيين الشرائيّة، محذّراً من أنّ "استمرار هذا الوضع سيُصيب الأمن الغذائيَّ من باب عدم قدرة المواطن على الحصول على حاجاته من الغذاء". وأهاب بجميع المسؤولين اتخاذ مبادراتٍ سريعة ووطنيّة لإنهاء الأزمة التي تتخبّط فيها البلاد وتنفيذ برنامجٍ إنقاذيّ وإصلاحيّ شامل يُعيد الاعتبار إلى الدولة والاقتصاد والليرة اللبنانيّة.
حاول بحصلي التحرّك علَّ صوته يصل إلى المسؤولين فيرأفون بالنّاس، إلا أنّه لم يلقَ أيّ آذانٍ صاغية حيث استمرّ تذبذب سعر الصّرف مُحلّقاً فوق الـ100 ألف ليرة للدّولار الواحد، ضارباً بعرض الحائط أسعار المواد الغذائيّة.
سلامة الغذاء في خطر فعلاً، خصوصاً في ما يتعلّق بالمُنتجات الحسّاسة مثل اللحوم والألبان والأجبان ومشتقّاتها والبيض، إذ يُشير الأستاذ والباحث في علوم الغذاء د. حسين حسن إلى أن لا سيطرة على التّبريد في المعامل ولا خلال عمليّة النّقل ولا في التّخزين ولا في المنازل. ويلفت في حديثٍ لـ"الأفضل نيوز" إلى أنّ كلّ ذلك سببه أزمة الكهرباء وكلفة النّقل؛ فانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات يؤثّران سلباً على اللحوم والألبان والأجبان. هذا بالإضافة إلى غياب الرّقابة من قبل المفتّشين الذين لا يقومون بدورهم والحدود المُتفلّتة غير المضبوطة.. كلّها عوامل تتضافر في ما بينها لتزيد الأزمة سوءاً.
وزارة الصحّة العامّة من جهتها تُقرّ بخطورة وضع السلامة الغذائيّة،بأنَّه "ليس مُطمئناً". وتلفت إلى ارتفاع حالات التسمّم وهي مثبتة علميًّا ومنشورة على موقع الوزارة ويُمكن مُقارنتها مع أرقام الأعوام الماضية.
ووفق ما أعلنته ممثّلة وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، خلال مُشاركتها في طاولةٍ مُستديرة حول الأمن الغذائي والسلامة الغذائيّة في لبنان، فإنّ "مصدر هذه الأرقام شكاوى المواطنين التي نتحقّق منها عبر فحوصاتٍ مخبريّة لنؤكّد أو ننفي وجود تلوّثٍ بكتيريّ موضعيّ وسريع. أمّا بالنّسبة إلى التلوّث التراكمي الذي يؤدّي إلى أمراضٍ مُزمنة، فالأرقام تُشير أيضاً إلى ازديادٍ كبير في أعداد أنواعٍ مُعيّنة منها في مناطق مُحدّدة. إذا أخذنا مثلاً منطقة حوض الليطاني، نرى ارتفاعاً ملموساً بأرقام حالات التسمّم الغذائي نتيجة ريّ المزروعات بمياهٍ غير آمنة".
هذا ما يؤكّده د. حسن، قائلاً لموقعنا: "نتوقّع على المدى الطويل زيادة الإصابات بالأمراض المُزمنة نتيجة الأطعمة التي يتهافت عليها اللبنانيّون خلال هذه الأزمة والتي تشتدّ يوماً بعد يوم"، موضحاً أنّ سبب الإصابة بهذه الأمراض جينيّ مع وجود استعدادٍ جسديّ، أو تناول الغذاء غير السّليم وغير الصحّي، وهذا ما يحصل في الفترة الأخيرة.
قضيّة سلامة الغذاء تُعتبر أمراً بالغ الأهمية، ومن المهمّ تضافر جهود المعنيّين لضمان جودة المأكولات وتأمين الغذاء الصحّي للمواطن. والتحديات كبيرة اليوم وتُهدّد صحّة النّاس ومُستقبلهم من باب سلامة الغذاء؛ التلوّث والأغذية غير الآمنة، غياب الرّقابة على الأسواق، اجتياح أنواعٍ وماركات جديدة لا يعرف أحد ما إذا كانت جيّدة أم مُضرّة. كما يجب على شركات المواد الغذائيّة أن تلتزم تقديم أطعمةٍ عالية الجودة تتطابق مع معايير سلامة الغذاء الدوليّة. وهذا يشمل الإنتاج الجيّد، القدرة على تتبّع المنتجات، مراقبة جودة الأغذية وضمان تدريب الموظّفين لضمان سلامتها.
ويبقى الأهمّ توعية المُستهلك حول المُمارسات الغذائيّة الآمنة والأضرار التي قد ترتبط بتلوّث الغذاء والمواصفات غير المُطابقة وكيفيّة الوقاية من هذه المخاطر قدر المُستطاع.
في هذا الإطار، لا بدّ من التّشديد على أهمية الرقابة لحماية المُستهلك من مخاطر الأغذية الفاسدة. وهنا تؤدّي مصلحة الاقتصاد دوراً مهمًّا في جولاتها المستمرّة على محال بيع اللحوم والدّواجن في مختلف الأراضي اللبنانيّة، حيث تُقفل بعضها بالشّمع الأحمر وتوجّه إنذاراتٍ للبعض الآخر.وفي مثالٍ على ذلك، نفّذت دوريّة مشتركة من المُراقبين الصحيّين في بلديّة طرابلس ووزارة الاقتصاد شمالاً جولاتٍ في أسواق طرابلس لمُراقبة الأسعار وصلاحيّة المنتجات، بمؤازرة عناصر من أمن الدولة وشرطة البلديّة. ونتيجة ذلك، صودِرت كميات من اللحوم غير الصّالحة للأكل في عددٍ من الملاحم ومراكز البيع وكميات من المواد الغذائيّة الفاسدة، حيث أُتلفت بإشراف القضاء المختصّ، مع تسطير محاضر ضبط مُشدّدة بحقّ المُخالفين.
ومنذ فترةٍ وجيزة، أتلفت مصلحة الاقتصاد في الجنوب بمؤازرة جهاز أمن الدولة صور، 192 كلغ من اللحوم ومشتقّاتها كانت قد ضُبطت سابقاً وحجزت في إحدى الملاحم.
كلّه يرتبط بالأزمة الاقتصاديّة والمسؤوليّة تقع بالدّرجة الأولى على المسؤولين الذين يتخبّطون في ما بينهم على أسخف التّفاصيل، فيما الأزمات تتفاقم والمواطن يموت جوعاً وقهراً. ويؤكّد د. حسن: "أزمة سلامة الغذاء سببها الأساس الأزمة الاقتصاديّة في البلد، فعندما تُحَلّ هذه الأخيرة يسلك ملفّ الأمن الغذائيّ طريقاً سليماً"، داعياً المواطنين إلى التوجّه لصنّاع القرار ليقوموا بعملهم، "عندما يتحرّك هؤلاء ويَحلّون أزمة الكهرباء والأزمة الاقتصادية، أظنّ أنّ كلّ هذه الأمور تتّجه إلى مسارها الصّحيح".
تجويعُ المواطن في عصرنا أمرٌ غير مقبول ولا يجب أن يقبل به أحدٌ... هذا هو الموت البطيء في أبشع حلله!
كريستال النوّار - الأفضل نيوز