كلام “شوارعي” في مجلس النواب: البلد على كفّ عفريت
مقالات وتحقيقات |
السبت ٧ أذار ٢٠٢٤
كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن”:
لا أحد يستطيع تفسير ما جرى أمس داخل جلسة اللجان النيابية المشتركة في ساحة النجمة، فالتوتر كان سيد الموقف بين النواب وفي مداخلاتهم، علماً بأنّ جدول أعمال الجلسة تضمّن الكثير من البنود المهمة التي تستدعي النقاش الهادئ والعلمي والموضوعي. وهكذا فعلاً كانت أجواء النقاش في بداية الجلسة، إلّا أن تطوّر الأمور، كشف عن احتقان و»قلوب مليانة» وأن البلد على «كفّ عفريت».
فما حقيقة ما جرى؟ وهل هناك ما يستدعي كلّ هذا التشنج الذي حصل وأدّى إلى رفع الجلسة؟ وما هي عبارات العيار الثقيل التي تبادلها النواب؟ وكيف يُمكن ضبط التوتر بين المسؤولين الذين يُفترض بهم ضبط الشارع إذا توتر؟ وهل هناك فعلاً من يُريد «ميني حرب أهلية»؟ وهل كل هذا التوتر بسبب الإنتخابات البلدية؟
كثيرة هي الأسئلة التي ستبقى بلا أجوبة، حول كل ما حصل ويحصل في بلاد الأرز التي تترنّح على شفير الإرتطام بينما من يُفترض أنهم مسؤولون ووجب عليهم إيجاد الحلول، يختلفون على جنس الملائكة ويُخاطبون بعضهم البعض بأبشع العبارات والتوصيفات.
إنطلقت جلسة اللجان أمس بشكل طبيعي وبدأ النواب بالكلام والنقاش، لا سيما أن أول بند هو المُخصّص لفتح إعتماد مالي إضافي في موازنة العام 2022 بقيمة 1500 مليار ليرة لبنانية لتغطية نفقات الإنتخابات البلدية والإختيارية التي يُفترض أن تحصل شهر أيار المقبل.
وبعدما تحدث عدد من النواب وصل دور النائب ملحم خلف المعتصم في المجلس مع زميلته النائبة نجاة عون منذ 69 يوماً، حيث ذكّر وأسوة بكل جلسة لجان تُعقد، بمواد الدستور 74 و75 وأولوية وأهمية أن يتفرّغ المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية، مشدّداً على النواب والقوى السياسية بضرورة الخروج من دوّامة الفراغ والتحلّل على صعيد مؤسسات الدولة.
وقال خلف وفق ما علمت «نداء الوطن»: «يبدو أنكم دايخيين لدرجة الإغماء وتنتظرون حصول الإتفاق في الخارج ومن ثم تنفيذه في المجلس»، هنا تدخّل النائب غازي زعيتر معتبراً أن هذا الكلام «مش بالنظام».
بعدها إرتفعت وتيرة النقاش بين النائبين وحصل هرج ومرج، وبدأت تتطاير عبارات من داخل القاعة وعلى لسان بعض النواب من وزن «مثل صباطي» و»ما بتشرفني» و»مثل إجري» و»كول… رى».
لكن خلف تابع كلامه معتبراً أن ما يرعى العلاقة بين الزملاء النواب هو الكرامة والنظام الداخلي للمجلس، ومؤكداً أنّ ما حصل هو بمثابة نحر للديموقراطية.
الجولة الأولى من السجال والتوتر داخل المجلس إنتهت عند هذه الحدود، ثم تمّت متابعة الجلسة والنقاش إلى أن وصل الدور للنائب سامي الجميّل الذي طالب بأن يتمّ تأمين تكاليف الإنتخابات البلدية والإختيارية من أموال الـSDR أي السحوبات الخاصة من حصة لبنان من صندوق النقد الدولي.
وهنا إعترض النائب علي حسن خليل معتبراً أنه لا يجوز تسجيل سابقة على مجلس النواب في هذا المجال، فهذا الأمر من إختصاص ومهام الحكومة، ولا علاقة للمجلس به.
وخلال الكلام إستخدم خليل عبارة «رئيس أحد الأحزاب تحدّث عن التمويل من حقوق السحب الخاصة»، فردّ النائب سامي الجميّل قائلاً: «هل تقصدني فأنا من تحدّث عن هذا الأمر؟». فردّ علي حسن خليل بالقول: «لا أقصدك ولم أسمعك أصلاً، فأنا قصدت رئيس حزب القوات اللبنانية».
وهنا بدأت وتيرة الكلام ترتفع بين الإثنين وعلا الصراخ وبدأت تتطاير عبارات غير مألوفة ومنها عبارة «مجرم إبن مجرم».
عند هذا المستوى حاول بعض النواب التدخل من أجل تهدئة الأجواء ولا سيما النائبين هادي أبو الحسن وألان عون، لكن الأمور خرجت عن السيطرة، وبدأ النواب بالإنسحاب من القاعة، خصوصاً نواب «القوات» و»الكتائب» وآخرين، قبل أن يُبادر نائب رئيس المجلس الياس بو صعب إلى رفع الجلسة، ومن ثم خرج كل طرف وفريق ليُقدّم روايته لما جرى.
روايات النواب
فالنائبة بولا يعقوبيان قالت: «شكلن بدن يعملو ميني حرب أهلية ليطيروا الإنتخابات البلدية… النائب ملحم خلف سمع كلمة شو هالبضاعة من النائب غازي زعيتر».
النائب ياسين ياسين نفى حصول تضاربٍ بين النواب مؤكّداً لـ»نداء الوطن» أن «القلوب مليانة» ولم يبقَ أمام المنظومة سوى التجييش الطائفي والمذهبي، لكن الناس لن ينجروا إلى الحرب لأن هاجسهم تأمين قوت يومهم واستعادة أموالهم وانتخاب رئيس للجمهورية.
أما النائب هادي أبو الحسن فقال: «منذ يومين ونحن نحاول ضبط الأمور ربما نجحنا بموضوع «الساعة» لكنّ الجو مشحونٌ بشكل عام، وما حصلَ في الجلسة كان صادماً والواقع في البلد خطير إذا ما إستمرّ على هذا النحو، والمطلوب أن يعلو صوت العقل والبدء بالتفكير بمصلحة البلد، وهموم الناس وانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة والبدء بالإصلاحات بدل المضي في هذا المسلسل المتوتر».
وقال لـ»نداء الوطن»: «ما حصل يُوحي بوجود عملية إحتقان، وقمنا بالمستحيل لنزع فتيل التوتر، وهناك حالة تفلّت سياسي وأصبح أي أمر يُمكن أن يُفجر الجو». وسأل: «عندما يتوتر الشارع فعلى المسؤول أن يضبطه، ولكن عندما يتوتر المسؤول فمن يضبطه؟» وهنا الخطورة.
جلسة اللجان رُفعت من دون إقرار أيّ بند من جدول الأعمال، في حين أعلن بو صعب، أنّه «لا أحد لديه مشكلة بأن تحدث الإنتخابات البلدية، وأن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي سيدعو في الثالث من الشهر القادم للإنتخابات البلدية، ولكن يوجد الكثير من الأمور التي أن يأخذها في الإعتبار قبل الدعوة».
وكشف أن»الجلسة شهدت خلافاً سياسياً أدى إلى رفعها»، آملاً في أن «نتوصل إلى تفاهم عقلاني وهادئ لأن هذا البلد وصل إلى الـ»مهوار»، وقرار السحب من الـ»SDR»، تتخذه الحكومة وهذه مسؤوليتها».
وعلى الرغم من أن بو صعب قد حاول تهدئة الأجواء المتوترة بين النائبين علي حسن خليل وسامي الجميّل، إلا أن الإثنين تحدثا بعدما اجتمع بهما بو صعب كلّ على حدة.
فالنائب علي حسن خليل قال إنّ «بعض النواب تجاوز حدود الزمالة، وكان من اللازم الردّ علي»، داعياً إلى «وضع اليد على ما حصل في مجلس النواب، فليس مسموحاً لأي أحد أن يتطاول على غيره».
بدوره، دعا النائب سامي الجميّل رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الإستماع لتسجيل الجلسة، قائلاً: «أضع الأمر في عهدته، وإذا اعتبر أن ما حصل من الممكن أن يمرّ، فذلك يعني مشكلة كبيرة، فقد حصل مسّ في المقدسات، وإن كان بري يريد أن يعالج الموضوع، يعلم كيف يمكن أن يعالجه». وتحدثت معلومات صحافية عن أنّ إتصالاً هاتفياً جرى بين بري والجميّل بعد مؤتمره الصحافي.
ومساء اعلن بو صعب أنه تواصل مع الرئيس نبيه بري واطلعه على تفاصيل ما حصل؛ فبادر بعدها مباشرة الرئيس بري واتصل بالنائب سامي الجميل مؤكدا له حرصه على معالجة ما حصل. ثم زار بو صعب مقر حزب الكتائب في الصيفي حيث اجتمع مع الجميل واتفق معه على طريقة معالجة الموضوع. وبعدها؛ اجرى النائب علي حسن خليل اتصالا بالجميل بصفته رئيس حزب الكتائب معتذرا منه على الكلام الذي صدر عنه ولا سيما بعدما تأكد النائب خليل أن الكلام الاستفزازي الذي صدر بحقه لم يكن صادرا عن رئيس حزب الكتائب.