أين لبنان من توصيات صندوق النقد وتحذيراته؟ النائب ميشال ضاهر المجلس النيابيّ عاجزٌ عن الحلول... النائب رازي الحاج: لفصل السياسة النقدية عن تمويل الدولة
سياسة |
الجمعة ٢٦ نيسان ٢٠٢٤
لا يبدو فريق محور "الممانعة" في لبنان آبهاً أو مكترثاً لـ"الوضع اللبناني الدقيق" بعد أكثر من ثلاث سنوات عاشت فيها البلاد أزمة منقطعة النظير. وإذا كانت الأوساط الدولية تؤكد أهمية بلورة بيروت الإصلاحات وانتخاب رئيس للجمهورية وفق المؤهلات الإصلاحية للمباشرة في الإنقاذ، فإن "حزب الله" يقابل ذلك بمهاجمة الإصلاحات كما التمسّك بمرشّح تحدٍّ أوحد للرئاسة الأولى. وتطرح تساؤلات عدّة في مجالس سياسية معارِضة لـ"حزب الله" حول مخاطر استمرار الواقع الحالي مع تفاقم الانهيار.
الأزمة اللبنانية لفتت إليها بعثة صندوق النقد في الإشارة إلى التخلخل الاقتصادي الحاد والانخفاض البالغ في قيمة الليرة اللبنانية والتضخم الثلاثي الرقم، ما أثّر بصورة مذهلة على حياة الناس وأرزاقهم. وتبدو واضحة حزمة الإصلاحات الشاملة التي عاد وأكّدها صندوق النقد للمساهمة في الاستقرار والنمو. وهي تشمل النقاط الآتية: تنفيذ استراتيجية مالية متوسطة الأجل لاستعادة القدرة على إبقاء الدين في حدود مستدامة، وخلق الحيز اللازم لزيادة الإنفاق الاجتماعي والإنمائي. إعادة هيكلة النظام المالي على نحو موثوق لاستعادة قدرته على البقاء ودعم التعافي الاقتصادي. توحيد أسعار الصرف وتشديد السياسة النقدية لإعادة بناء الصدقية في الاقتصاد وتحسين مركزه الخارجي.
وكذلك، أضاءت بعثة صندوق النقد على أهمية تنفيذ إصلاحات هيكلية طموحة لتكون مكمّلة للسياسات الاقتصادية وخلق بيئة مواتية لتحقيق نمو أقوى، من خلال: تقوية إطار الإدارة المالية العامة لضمان سلامة الإشراف على الموارد العامة، وتعزيز الانضباط المالي، وزيادة شفافية عملية إعداد الموازنة. إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة لضمان سلامة الحوكمة، والشفافية، والسلامة المالية والتشغيلية، وتحسين توفير الخدمات، واحتواء المخاطر على المالية العامة. تعزيز أطر الحوكمة، ومكافحة الفساد، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لإعادة اكتساب الثقة الاجتماعية لسياسات الحكومة وتشجيع النمو الشامل للجميع.
كيف يقارب نواب في لجنة الاقتصاد الوطني النيابية التقرير الحديث لصندوق النقد؟ وفي رأيهم، أي إجراءات عملية أولية من الضروري لبنان اتخاذها سريعاً؟
ميشال ضاهر: المجلس النيابيّ عاجزٌ عن الحلول
ينطلق عضو لجنة الاقتصاد الوطني النائب ميشال ضاهر في قراءته للواقع الاقتصادي اللبناني، من الإشارة إلى أن "البلد مفلسٌ حالياً وهناك شروط للإنقاذ يُستوجب إما القبول بها وإما الاتجاه إلى "خطّة باء". وليس في إمكان صندوق النقد أن يُقرض لبنان وسط فجوة مالية تصل إلى 90 مليار دولار، وهو لا يُعتَبر مؤسسة خيرية، وتشكّل الإصلاحات وتقليص الدين وخفض الفجوة المالية معايير أساسية حتى يكون في استطاعة لبنان الاستمرار. وفيما كان الناتج المحلي في لبنان يبلغ 53 ملياراً على مشارف بداية الأزمة المالية، وبدلاً من إيجاد الحلول، حصل تدميرٌ للاقتصاد الوطني نتيجة الشعبوية التي انتُهجت في البلاد خلال السنوات الماضية".
ويقول النائب ضاهر لـ"النهار العربي" إن "الحلّ الشعبوي الذي يختاره البعض على طريقة شعار "عدم المسّ بالودائع" ليس بفعّالٍ؛ وإذا كان البعض يعتبر أن باستطاعته الضحك على صندوق النقد فإنه يضحك على نفسه. كان حجم الاحتياطي في المصرف المركزي يبلغ 32 ملياراً عند بداية أزمة الانهيار، وتقلّص راهناً إلى 8 مليارات، ما ضاعف الخسائر والفجوة المالية في ظلّ عجز المجلس النيابيّ عن التشريع ومهزلة تسديد القروض بالليرة اللبنانية المترافقة مع تخبّط قضائيّ في غياب التشريعات. وفي مقاربة مبسّطة بين انطلاقة الأزمة وما وصلت إليه عام 2023، زادت الفجوة المالية من 40 مليار دولار إلى 75 ملياراً، وانخفض الناتج المحلي من 50 ملياراً إلى 18 ملياراً".
وفي واقع تفاقم الأزمة التي يعبّر عنها ضاهر، فإن "المسؤولين اللبنانيين وضعوا رأسهم في الرمال بدلاً من حلّ المشكلة، في وقت اقتصر المبلغ المتبقي في المصرف المركزي على 8 مليارات دولار. وإذا وافق لبنان على شروط صندوق النقد يُقرض عندئذ بملبغ 3 مليارات. ويحوز قروضاً بقيمة 10 مليارات، إذا أعاد تطوير علاقاته إيجاباً مع المجتمع الدولي. وفي وقت كانت الكيفية المعتمدة من السلطة اللبنانية في معالجة الأزمة الاقتصادية أخطر وأسوأ من الأزمة نفسها، فإن استمرار المسؤولين اللبنانيين في اعتماد سياسة الإنكار سيصعّب الأوضاع أكثر. وتتمثل الإجراءات الأساسية التي يجب اتخاذها في ضرورة إقرار مشروع قانون "كابيتال كونترول" فعليّ يسهم في منع التحويلات إلى الخارج، ضبط الحدود ومنع التهريب، وتشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء وبلورة الإصلاحات الخاصة بالقطاع".
رازي الحاج: لفصل السياسة النقدية عن تمويل الدولة
وفق المقاربة التي يعبّر عنها الخبير الاقتصادي والنائب عن تكتل "الجمهورية القوية" رازي الحاج، فإنّ "التقرير الأخير الذي أعدّه صندوق النقد الدولي يأتي في ظرف دقيق على المستويين الداخلي والخارجي، مع الإشارة إلى ضرورة تفعيل إصلاحات حقيقية لا تتعلّق فحسب بمشاريع القوانين التي تدرس في المجلس النيابي، بل ترتبط بالأداء الحكوميّ والسياسات العامة النقدية والمالية التي لا تشهد تغييرات ملحّة. وتتمثّل النقطة الأهم التي شكّلت مرتكزاً في تقرير صندوق النقد، الارتباط بين السياستين المالية والنقدية وسط استمرار المصرف المركزي في تمويل الدولة وتأمين العملة الصعبة لها وزيادة طباعة العملة اللبنانية لتعزيز مالية الدولة ودفع الرواتب".
ويقول النائب الحاج لـ"النهار العربي" إنّ "المطلوب وسط الانهيار الذي يشهده سعر الصرف فكّ الارتباط أولاً بين السياستين المالية والنقدية. وهذا ما شددت عليه قبل أيام من بيان صندوق النقد. ومن الضروري زيادة الرقابة ومنع التهرب الجمركي وإيقاف التهريب على الحدود وهيكلة القطاع العام بهدف تخفيض حجمه وفكّ إدارة الدولة للقطاعات وتفعيل الهيئات الناظمة. وسبق أن توجّهت بأسئلة جوهرية إلى الحكومة اللبنانية خلال جلسة اللجان المشتركة بعد ارتفاع سعر الصرف، مع الإشارة إلى غياب القدرة على وقف الانهيار من دون الفصل بين السياستين النقدية والمالية وإعادة هيكلة المصرف المركزي والقطاع المصرفي لإعادة الثقة، ثم استقطاب العملات الصعبة، ما يمهّد للاستقرار النقدي والبيئة التنافسية".
النهار العربي