التمديد لقائد الجيش... في أمتاره الأخيرة
مقالات وتحقيقات |
السبت ٧ تشرين ثاني ٢٠٢٤
خلال الأيام الأخيرة تسارعت وتيرة الأخبار عن اتجاه الحكومة لاتخاذ قرار بتأجيل تسريح قائد الجيش، لكن العارفين كانوا يجزمون أنّ الطبخة لم تنضج كلياً. صحيح أنّ منسوب الاهتمام ارتفع لحسم الخيار، لكن القرار النهائي كان لا يزال معلّقاً على حبل «التوقيت المثالي» المحصّن من الخضّات، ولو أنّ القناعة صارت راسخة أنّ التمديد أو تأجيل التسريح هو أسهل الخيارات وأكثرها واقعية.
نيابياً، يتبيّن أنّ سلسلة مشاريع قوانين باتت مكدسة لدى مجلس النواب وتهدف إلى التمديد لقائد الجيش أو لكل القادة الأمنيين والعسكريين. علّة هذا الخيار تكمن في إصرار رئيس مجلس النواب على إبطال تهمة «لا شرعية» البرلمان في التشريع في ظلّ الشغور الرئاسي، لذا يصرّ على أن تكون هذه المشاريع ضمن سلّة متكاملة، حتى لو عادت المعارضة إلى موقفها الرافض للتشريع، لكن مجرد مشاركتها يثبت شرعية عمل مجلس النواب في التشريع. وهذا ما يريده.
فعلياً، بري كان يمهّد لفتح باب المجلس اذا كان لا بدّ منه. صحيح أنّه كان يفضل ألّا يكون مصير جوزاف عون مغايراً لمصير عباس ابراهيم أو رياض سلامة بمعنى أن ما سرى على بقية المواقع لا بد أن يعمم على الجيش، لكنّه حين بدا له أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مستعجلاً ومتحمّساً لتعيين قائد جديد، تراجع الى الوراء رافضاً منح باسيل هكذا امتياز، وأيّد من جديد التمديد.
على المستوى الحكومي، أنهى الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية دراسته القانونية التي كلفه بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في 19 تشرين الأول الماضي للحلول الممكنة لملء الشغور في قيادة الجيش. وتتضمن الدراسة كلّ الاحتمالات الممكنة، التي تبدأ بالتعيين ولا تنتهي بتأجيل التسريح، وهي أخذت في الاعتبار الظروف المحيطة، بدءاً بكونها حكومة تصريف أعمال، وليس انتهاء بالملابسات التي رافقت التحضيرات لحل هذه المسألة.
بالتوازي نشطت خلال الساعات الأخيرة الحركة السياسية الهادفة إلى وضع كل الحلول على طاولة النقاش للدفع بأفضلها. اذ التقى ميقاتي مساء ليل الأحد «الخليلين»، أي علي حسن خليل وحسين خليل لإبلاغه رسمياً بموقف «الثنائي» من المسألة خصوصاً وأنّ «حزب الله» كان يميل إلى عدم التمديد لقائد الجيش فيما بدا الرئيس بري في فترة من الفترات أقرب إلى التعيين.
لكن «الخليلين» قالا بوضوح إنّ الثنائي لا يمانع في التعيين اذا حصل الأمر بالتوافق، كذلك لا يمانع في التمديد اذا أمكن تأمينه. لكنه لا يحبذ تكليف العضو المتفرّغ في المجلس العسكري اللواء بيار صعب (كاثوليكي) بمهام القائد، كما لا يفضل، أسوة بوليد جنبلاط أن تؤول القيادة إلى رئيس الأركان بعد تعيينه.
هكذا، صارت الكرة في ملعب ميقاتي، لكن الأخير كان يسعى لمحاصرة بقعة خلافاته مع جبران باسيل، كذلك «الحزب». وكان رئيس الحكومة يفضل أن يتوصل معه إلى تسوية تسمح لوزير الدفاع برفع اقتراحاته بالتشكيلات العسكرية إلى مجلس الوزراء... وإلا الذهاب إلى خيار التمديد أو تأجيل التسريح، كونه أقل الخيارات صعوبة، على اعتبار أنّ ميقاتي كما الثنائي الشيعي يرفضان مجاراة باسيل في شرط فرض توقيع الـ24 وزيراً، لكي لا تسجل بذلك عدم شرعية كل قرارات الحكومة السابقة واللاحقة.
بالموازاة، أبلغ «حزب الله» قائد الجيش العماد جوزاف عون أنه لا مانع من التمديد، بمعنى عدم رفضه لهذا الخيار اذا كان متاحاً، وهذا ما خلق جواً من الارتياح لدى المحيطين بقائد الجيش خلال الأيام الأخيرة، بعدما تأكد لهم أنّ «الحزب» ليس في المقلب المضاد.
لكن هذه «اللاممانعة» لا تحجب واقع أنّ «الحزب» كان لا يزال يساير باسيل ويعطيه كل الوقت المتاح، ويفضّل سياسة «الهبوط الناعم» لحسم مسألة قيادة الجيش. الأكيد أنّ الظروف الأمنية والعسكرية في الجنوب تشجّعه على الحفاظ على استقرار المؤسسة العسكرية، ولكن في نهاية المطاف، «الحزب» سيزينها في ميزان مصالحه لا ميزان علاقته برئيس «التيار الوطني الحر»، فيما علاقته بقائد الجيش جيدة، وتجربة الشهر الأخير خير دليل على ذلك، وبالتالي لا ضرر في التمديد له ستة أشهر أو سنة، خصوصاً اذا لم يتمكن باسيل من تحقيق هدفه في تسهيل طريق التعيين.
في الخلاصة، يمكن الاستنتاج أنّ التعيين خيار صعب، أولاً، بسبب رفض بري منح باسيل أي مكسب، وثانياً بسبب رفض المكونات الحكومية لشرط توقيع الـ24 وزيراً. ولهذا ارتفعت حظوظ التمديد، ولعل الاعلان المتأخر مساء أمس عن جلسة صباحية للحكومية، مؤشر إضافي على الدفع بهذا الاتجاه، بعدما نشطت الاتصالات مساء لتذليل عقدة التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وقد ترددت معلومات حول امكانية دعوته إلى الجلسة.
كلير شكر _ "نداء الوطن"